Skip to main content

الحقيقة التي نتعمد إغفالها دوما


من المحزن أننا نحن البشر نري من نحبهم يفارقون الحياة كل يوم ، ولا يخطر ببالنا أننا سنواجه المصير نفسه ، عاجلا أم آجلا. إن مجرد العيش مع هكذا شعور ، وهكذا احساس ، لهو كفيل بأن يفقدنا ما لحياتنا من معني ، وما لها من أهداف وغايات

 وعلي العكس من ذلك فإننا إن أدركنا المصير أو المنتهي ، فسيجعل ذلك من حياتنا ، بحق ، حياة ذات معني ، وذات هدف
نحن هنا في تلك الحياة للعمل والاجتهاد والجد وبذل النفيس ، وجهاد النفس ، وعدم الانصياع لرغباتها وأهوائها


إن من يستسلم لنفسه ، ويخضع لها ، فلن يجني سوي الخسارة والحسرة والندم علي ذلك التصرف . نعم نحن في تلك الحياة في صراع متعدد الجهات : مع النفس ، مع مشكلات الحياة ، مع الناس ، مع العمل ، إلي غيرها من تلك الصراعات المختلفة 

وفي بعض الأوقات ، يكون الاتجاه في حياتنا وكأننا قد فقدنا البوصلة ، وأصبحنا لا نعرف لماذا نحن هنا علي ظهر تلك الأرض من الأساس. وبكل أمانة ، عندما يحدث ذلك ، فإن الأمر لا يتوقف هناك ، بل تبدأ إرهاصات ذلك التوهان في الظهور : عدم الاكتراث بضياع الوقت ، واللامبالاة بشأن أهميته وقيمته ، والاهتمام بتوافه الأمور ، والانشغال بما لا يفيد ، والغفلة ، وترك الواجبات ، وإتيان المنكرات ، وغيرها الكثير

لقد كثر الحديث عن أهمية الوقت ، ولطالما قطعنا الوعد علي المحافظة عليه ، وعدم تضييعه ، ولطالما تذكرنا كيف كنا صغارا ، ثم ها نحن أصبحنا علي أبواب الأربعين ، و ما أسرع السنين ، وها نحن نري بأعيننا كيف يرحل عنا أحبتنا ، يوما بعد الآخر ، ولم نكن نتخيل في يوم من الأيام أن ذلك سيحدث

لكنها هي الحقيقة التي نتعمد إغفالها دوما ، نعم ، ومن ثم ننشغل بغيرها ، ظنا منا أننا بذلك سنعالج مشكلاتنا ، مع أن العكس هو تماما الصحيح

من هنا لنبدأ من جديد ، ولنقم بإصلاح ما يلزم علينا إصلاحه ، وبسرعة لتدارك ما قد تبقي ، وعدم النظر إلي الوراء ، فما قد فات قد مات ، ولا فائدة من البكاء علي اللبن المسكوب

 فليكن من الآن الاتجاه دوما إلي الأمام ، والتقويم المستمر للنفس ، وإصلاحها ، وجهادها ، وتهذيبها ، وممارسة الرياضة ، والقراءة الكثيرة ، والنوم الجيد


شكرا جزيلا 

محمود عاطف 

صباح السبت 

٧ شوال ١٤٤١ هجرية 

٣٠ مايو ٢٠٢٠ ميلادية 

في الإمارات العربية المتحدة 

أبو ظبي ، الرويس 

سكن مستشفي الرويس 


Comments

Popular posts from this blog

لا سبيل سوي النهوض ، والمحاولة من جديد

 السلام عليكم ،  في لحظات الحياة العسيرة ، تجد نفسك عاجزا عن معالجة ما يحدث ، ثم تظل تفكر في اعتبارات عديدة ، وتتساءل ماذا أنا فاعل ؟ وفي تلك الأثناء ، وبينما تحاصرك الهموم والأفكار ، وفي خضم ذلك الصراع ، تبقي حائرا علي من تضع اللوم.  هل تلوم نفسك ، وتؤنبها ؟ أم تحنو عليها وترفق بها ؟  هل تصارحها بالحقيقة ؟ أم تغمض عينيك عنها ؟ لكن أية حقيقة ؟  أليس من الممكن أن تكون أحيانا ظالما لها وجائرا عليها ؟ أليس من المحتمل أن تكون بذلك تحملها أكثر من طاقتها ؟  ألا يكون من العقل والمنطق أن تضع الأمور في نصابها ، وتفكر بشكل إيجابي ؟ هل يمكن أن يكون مفيدا أن أكون حبيسا للماضي ؟  هل ينبغي أن أستسلم لذلك الموقف ، وأن أدعه يتحكم بي ، ويجعلني مكسورالخاطر ، ومجروح الكبرياء؟ علي الإطلاق ، لا يمكن لذلك أن يكون .  في أحلك الظروف واللحظات التي تمر بها ، عليك أن تتماسك ، وتثق في الله عز وجل ، وفي نفسك .  تماسكك لا يعني شيئا سوي ثقتك في الله وفي نفسك ، وعكس ذلك يعني أنك فاقد لها .  في لحظات العسر والشدة يكون كل الخير ، والله عز وجل بذلك لا يريد إلا الخير ....

التقليل من الإنفاق ، وتخصيص المزيد من الوقت للأكثر نفعا

بينما أنا جالس صباح ذلك اليوم ، أقوم بتنزيل ملفات تعليم اللغة الإنجليزية للطلبة الفرنسيين ، كانت الموسيقي تعمل في الخلفية ، ومعها  تتناوب الذكريات علي عقلي وفكري ، فتجلد مع حضورها كل حواسي بلا هواده  من بينها تلك المواقف التي مرت علي منذ بدأت العمل مع مستشفي الرويس. ومع كل لحظة من شغلها لذلك الحيز من تفكيري ، يصيبني الهم والحزن والقلق ، لا لشيئ إلا علي ما قد يكون لذلك من عواقب علي حياتي ، وأيضا علي أهلي : أمي وأبي وإخوتي ، وكذلك علي  صورتي أمام نفسي  .ما أرجوه و أتمني أن يتحقق هو أن أقوم بتسديد ما علي من ديون ، وساعتها لا يهمني ما سيحدث ، أيا ما كان المهم الآن بالنسبة لي هو أن أكون بلا دين ، وأن أبدأ بأسرع ما يمكن لتحقيق ذلك . في نفس الوقت علي أن أقوم بعمل نوع من الموازنة  بين ما أقوم بإنفاقة هنا ، وبين ما سأرسله إلي مصر ، بالإضافة إلي ذلك الجزء الذي سيتم تخصيصه لسد ذلك الدين المستحق  وللتمكن من الوصول إلي ذلك الهدف ، فيمكنني العمل علي التقليل من إنفاقي هنا علي قدر المستطاع . إذ إنه من خلال ذلك يمكنني أن أصنع الفارق بكل تأكيد أعلم أن ذلك سيكون تحديا ، ولكنن...

صاحب المرسيدس

لم لا نجعلها هدفا نسخر كل طاقاتنا من أجله ؟ ولم لا نرسم صورتها في خيالنا علي الدوام ؟ ولم لا نحرص علي أن نكون يوما من أولئك الذين يحظون بها؟ ليكن ذلك الشعار المثبت عند مقدمتها مذكرا لنا علي الدوام بأهمية أن نحيا الحياة بشكل مختلف تماما عما اعتدنا عليه طيلة السنوات الطويلة التي مضت من عمرنا إنها السيارة المرسيدس الرائعة التي لم أجرب قيادتها كي أستطيع وصفها ، ولكن بكل تأكيد ستكون تجربة فريدة ، تستحق التضحية والبذل وتطوير النفس ، وكل ما من شأنه المساعدة علي الوصول إلي امتلاكها ، والتمتع بقيادتها ما هو السبيل إلي ذلك ؟  لا أعلم . ولكن ما أعلمه هو أن يكون لدي سيارة مرسيدس جديدة ليس بالشيئ اليسير . ولن أكون قادرا علي أكون صاحب المرسيدس إلا إذا كنت بحق مؤهلا لذلك إن مجرد وضع ذلك كهدف لما تبقي من سنوات من الحياة في هذه الدنيا ، لا أعلم إذا كانت سنوات أم شهور أم أسابيع أو أيام ، لكن لنفترض أنها كذلك ، إن وضع ذلك كهدف من شأنه أن يغير من الحياة بشكل جذري  إنني وإن لم أستطع الوصول إلي أكون صاحبها ، فسأجني ، بكل تأكيد ، ثمار كل ما يتطلبه ذلك الهدف لكي يتم تحقيقه أنا أقترح أن أردد دوما تلك ...